الأربعاء، 13 أبريل 2016

موازنة بين البحتري و ابو تمام

                           #موازنة بين البحتري و ابو تمام#

ازدهرت العلوم في العصر العباسي وانتشرت الترجمة فنشطت العلوم الإنسانية من منطق وفلسفة وحكمة فقرب الخلفاء العلماء والفقهاء مثلما قربوا الشعراء فكان ثمة شخصيات غيرت مجرى التاريخ بمواقفها وأعمالها عبر العصور و أثارت إعجاب الشعراء فخلدوا إنجازاتها وأسبغوا
على أصحابها أعظم الصفات وكثرت قصائد المدح في عصر الفتوحات لما كان أصحابها من أثر عظيم في تدعيم قواعد الدولة العربية وامتداداها. فقام النقاد القدماء بعقد موازنة بين الطائيين أبو تمام صاحب تيار التجديد والبحتري صاحب تيار التقليد فوجدوا أن أبا تمام يميل إلى الصنعة البديعية فيهتم بتقويم الألفاظ أكثر من المعاني فيولع قصيدته بالطباق والتجنيس والمماثلة فلقد قام على اعتماد الطباق بين الصبح والليل والبياض والسواد فقال:
وكانت وليس الصبح فيها بأبيض                   فأمست وليس الليل فيها بأسود

وكان يكثر من المعاني الغامضة التي تستخرج بالصور وراء الفكر فيستخدم المنطق والعقل بكثرة ويدعو القارئ إلى التأمل وأخذ العبرة فاعتبر أن مكوث المرء في ذات المكان يفقده رونقه مثل الشمس فالشمس محببة لأنها تشرق ثم تختفي فقال:
وطول مقام المرء في الحي مخلق                         لديباجتيه فاغترب تتجدد
فإني رأيت الشمس زيدت محبة                 إلى الناس أن ليست عليهم بسرمد

وكان يعتمد المبالغة في عرض معانيه لأن المبالغة تكسب المعاني قوة في ذاتها وتجعلها متفردة عن غيرها فكان رأيه أن أي معركة بعد هذه المعركة لا تدانيها ولا تجاريها في الحسن
فمهما تكن من وقعة بعد لاتكن                         سوى حسن مما فعلت مردد
 
بينما كان البحتري يقوم بتقليد القدماء في بناء القصيدة فكان القدماء يبدؤون قصائدهم بالغزل أو الأطلال أو استرجاع الذكريات التي ذهبت مع الماضي فتحسر على أيام الشباب التي انقضت مسرعة كلمح البصر فأنشد يقول :
أكان الصبا إلا خيالاً مسلما                           أقام لرجع الطرف ثم تصرما

واعتمد على المعاني الواضحة المنكشفة فكان يميل إلى الوضوح ويحاول تقريبه ما استطاع من الإحساس وتجليته فرأى أن بشاشة وجه الممدوح كفيلة برد السلام
سلام وإن كان السلام تحية                         فوجهك دون الرد يكفي المسلمة

واعتمد على وضع الكلام في موضعه مع صحة العبارة وحلو اللفظ وسهولته وبما أن معانيه كانت واضحة فلا بد أن تشبعها مفرداته وألفاظه بالرقة والسهولة وملائمة  المعاني واستخدام الألفاظ الرقيقة: كالربيع والحسن وربطها بالممدوح
أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكاً                    من الحسن حتى كاد أن يتكلما
 
وهكذا نجد هذا الاختلاف الكبير بين أبي تمام والبحتري مع أن أبا تمام كان أستاذ البحتري ولكن البحتري اتبع غير طريق أستاذه فكل منهما سار في تيار مختلف ولذلك تنوع الشعر العربي وامتزج  بتيارات  وطرائق الشعراء المختلفة وهذا ما أعطى شعرنا العربي هذا التمازج بنكهات الشعراءوجعله خالداً حتى الآن.

كتبه الطالب : معاذ عبدالواحد 

من ثانوية : الغد المشرق الشرعية 

بإشراف الأستاذ : سامر العبدالله